الثلاثاء، 24 مايو 2011

الاحْــتــِــسَــــــــاب عَـلَـى الكُــــــــــتّـاب



الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

وبـــعــــــــد ، فلا يختلف العقلاء بأن الشبكات الإسلامية الحوارية تزخر بالمشاركات الجادة ، التي يكتبها ثلة من عقلاء الأمة ، لم يجدوا موضع قدم في صحيفة أو مجلة بسبب منهجيتهم في الكتابة ، فأموا أقلامهم اتجاه المنتديات الحوارية ؛ لعل وعسى يسمع صوتهم في زمن كممت فيه أصوات الإسلاميين ، وفسح لرويبضة العلمانيين ببث ترهاتهم وشبهاتهم في جميع وسائل الإعلام.

وصدق الحبيب ـ صلى الله عليهم وسلم ـ :
"أمام الدجال سنين خداعة يكذب فيها الصادق ، ويصدق فيها الكاذب ، ويخون فيها الأمين ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويتكلم فيها الرويبضة" قيل : وما الرويبضة ؟! . قال : "الفويسق يتكلم في أمر العامة" رواه أحمد ، وأبو يعلى ، والبزار ، والطبراني في "الأوسط" من حديث أنس بن مالك بإسناد جيد كما قال ذلك الحافظ في "الفتح" .

ولكن للأسف لم يسلم هذا المنبر ـ "المنتديات الحوارية" ـ من العديد من السلبيات ، حتى لاح لبعض العقلاء اليأس من صلاح أحوالها ، فعمد إلى أقلامه فكسرها ، وإلى أوراقه فمزقها ، ولسان حاله يقول ما قاله شعبة ـ رحمة الله ـ :
"عقولنا قليلة ، فإذا جلسنا مع من هو أقل عقلا منا ذهب ذلك القليل ، وإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقل عقلا منه فأمقته" .

وكل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا تكون مجالسة الكلب خيرا من عشرته ، ومن يصحب صاحب السوء لا يسلم ، كما أن من يدخل مداخل السوء يتهم .

والحقيقة أني كنت أرمق ذلك بين ثنايا المقالات ، ولا أعرف حيلة لمعالجة هذا الداء العضال غير كتابة ما تيسر من النصائح والتوجيهات ـ والله المستعان ـ ، ولكن للأسف مازالت سلبيات هذه المنتديات "الإسلامية" تطفح بشكل كبير ، وتعكر صفو الحوار والنقاش الجاد.

حتى وصلتني بعض الرسائل الخاصة من بعض الأحبة من أصحاب العقول الراجحة ، والآراء المتزنة ، والمشاركات الهادفة تشتكي من هذه الظاهرة التي استفحلت بشكل ملموس في جميع منتدياتنا الإسلامية ، وطرحوا عليّ ـ وفقهم الله ـ فكرة الانسحاب من المنتديات كلها !! .

وأحدهم ـ وفقه الله ـ يقول : بعض العقلاء من الملتزمين يفضلون المشاركة في غير المنتديات الإسلامية بسبب ما يجده من سلبيات في الشبكات الإسلامية !! .

فهالني ذلك جدا ، واستشعرت بغربة العقلاء برحيل أمثال هؤلاء !!.

وحقيقة وجدت المسئولية على عاتقنا كبيرة ، فيجب أن نقف وقفة جادة وحازمة أمام هذه الظاهرة السيئة ، ونتضامن بقوة من أجل تلاشي هذه السلبيات ، التي للأسف تنسب للدين زورا وبهتانا بسبب انتساب بعض أصحابها في الجملة إلى الدين والالتزام.

ولا يظن أحد بأني أعني بكلامي هذا أناس بأعيانهم ، أو أشخاص بماهياتهم ، ولكني أتكلم في هذه الظاهرة بشكل عام كنصيحة عامة أُذكّر بها نفسي أولا ،
وأعتذر مقدما عن شدة لهجتي أثناء بذلها ، فقد قيل : "إننا لا نكتب بالمداد ، ولكن بدم القلب ، فعذرا إن ظهرت آثار الجراح بين السطور".

فالمرء يندهش بشدة للفرق الشاسع والكبير بين مضامين وأسلوب بعض مشاركات الملتزمين ، ومشاركات غيرهم !!.

ويندهش لأسلوب وحوار الملتزمين (المتدينين) ، وحوار غيرهم !!.

فحوارنا في الشبكات الإسلامية لا يسلم عادة من جملة من الآفات والعلل ، والسلبيات الظاهرة والباطنة :

كالتشنجات العصبية ، والمنهجية الاستبدادية ، والسلاطة اللسانية ، والاضطرابات العلمية ، والسفسطائيات الفلسفية ، والإرهابيات الفكرية ، وغير ذلك من الآفات والأمراض النفسية.

من أجل هذا رأيتُ وجوب الاحتساب على الكُتـّاب ، ومصارحة الجميع بهذه الآفات وإن اشتمل ذلك على نقد للذات ؛ حتى نتضامن جميعا من أجل القضاء عليها حتى تصبح "شبكة الحسبة" درة الشبكات ، ولؤلؤة المنتديات ، ونكون قدوة للآخرين.
أولا : تـوصيـف الحـالــــة


عند التأمل نجد أن العقلاء في هذه الشبكات الإسلامية يقعون ضحايا بين "المطرقة" ، و"السندان" .

فأما "المطرقة" ، فمقالات تتسم بالترهات ، والسخافات ، والتفاهات ، وهي تصيب القارئ بالهم ، والغم ، والنكد ؛ فتنكد على أصحاب العقول عقولهم ، وعلى أصحاب الفكر فكرهم ، فيصاب العاقل والمفكر بالغثيان والاكتئاب النفسي من هذه المقالات التافهة ، فيخرج منها مهموما مغموما !!.

1 ـ نموذج من هذا الغثاء :

بعضهم ـ غفر الله له ـ ضاقت به ساحات الفكر والتعقل والإبداع فراح يتحفنا بمواهبه الدفينة ، بإثارة موضوعات سخيفة وتافهة لا تنم إلا عن إفلاسه عقلا وفكرا وعلما ، فتنفجر ضاحكا من مضامين المشاركات التي يتحفنا بها بين الفينة والأخرى ، كأنك في منتدى ملاهي وطرائف البشر !! لا يريد ـ عادة ـ من وراء بث هذه التفاهات إلا رفع رصيد عدد مشاركاته في المنتدى ، وتضخيم عدد زوارها بحق أو باطل ، فلا كلمة طيبة قدمها ، ولا نصيحة خير أسداها ، فماذا نستفيد من موضوعات على شاكلة ما يلي :

1 ـ "هل الشيطان يلد أو يبيض ؟!!!" .

2 ـ "إعلام الإنس والجان بجنس نملة سليمان ؟‍!" .

3 ـ "هل بلال سيدخل الجنة" .

قال مقيده "محتسب" : هذه ـ والله ـ أمثلة رمزية وإلا فيوجد أمثلة كثيرة جدا .

ثم تجد بعض الردود التي تجعلك تموت كمدا أو حسرة ، أو يغمى عليك من شدة الضحك الذي ينقلب إلى نحيب ، وألم في القلب ، وصداع في الرأس ؛ لما آل إليه حالنا الفكري والثقافي!!.

ثم تأتي التعليقات التي تكمل على ما بقي من عقل ، فيعلق أحدهم ـ غفر الله له ـ على مشاركة سخيفة وتافهة على شاكلة ما ذكرته آنفا : بارك الله فيك على هذه الفائدة .

أي فائدة هذه يا أخي ـ أصلحنا الله وإياك ، ورزقنا العلم النافع والعمل الصالح ـ ؟!! .

ماذا نستفيد ويستفيد إخواننا الأعضاء من هذا الغثاء والكلام التافه أقل ما يقال في حقه : (كلام فاضي) ؟! .

وآخر يعلق على استحياء بقوله : يرفع ، رفع الله قدر الكاتب !! .

غفر الله لك أيها الأخ الكريم ، والله لقد زدت الطين بلة …؟! .

أهذا كاتب يحترم من يجلس بينهم ، أم مهرج يستخف بعقول إخوانه الأعضاء ؟!! .

هل مثل هذا العلم ينفع الناس في دينهم أو معاشهم ؟!! .

هل مثل هذه الموضوعات تحل مشاكلنا الاقتصادية ، أو السياسية ، أو العسكرية ، أو المستقبلية ؟! .

هل مثل هذا الهراء سيضعنا في مصاف الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا ؟!!! .

أمثل هذا السخف حقه الرفع أم الخفض أيها العقلاء ؟!! ((
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )) (القلم:36) !!.

فيا أيها الكاتب !! .

ويا أيها المتدخل !! .

ويا أيها المحاور !! عليكم بتقوى الله في إخوانكم القراء ، فهذا العبث والغثاء ليس محله شبكة خصصت للدعوة والاحتساب ، والحوار البناء ، وإنما محله منتدى الحمقى والمغفلين ، لأصحاب الاحتياجات الخاصة!!.

يا أيها الحبيب تذكر ـ رحمك الله ـ أنه لو كان القائل مجنونا ، فليكن المستمع عاقلا ويعرض عن الجاهلين!! .

هلا نصحته ودللته على الخير بدلا من حثه على الاستخفاف بعقولنا وتشجيعه على الباطل، فيظن أنه بذلك يحسن صنعا ؟! .

يا أيها الأحبة ! نربأ بكم عن مثل هذه التفاهات والسخافات ، اتقوا الله في أنفسكم ، وفي إخوانكم الأعضاء والمتصفحين ، فبيننا الطبيب ، والمهندس ، والصحفي ، ورجل الأعمال ، والأستاذ الجامعي !.

فعلى المراهقين من الكتاب أن يستحوا من الله تعالى ، ثم يستحوا من العقلاء ، فالكلمة مسؤولية ، فإن لم يحسن أحدهم الكلام ، فأضعف الإيمان أن يحسن الاستماع ، وعليه أن يتذكر أن من كتب شيئا ، فقد استعرض عقله على الناس!! .

يا رب المستضعفين !! اللهم أشكو إليك ضعف قوتنا ، وقلة حيلتنا ، وهواننا على هؤلاء !!.

قال مقيده "محتسب" : وعلى هذا قس ، فما عليك إلا استحضار عقلك وتصفح هذه المواهب الفذة التي سوف تبهرك ، ويقشعر منها بدنك !!.

2 ـ نموذج آخر لهذا الغثاء :

فئة أخرى من المشاركات تخصصت في فن ما يُعرف بـ "القص واللصق" ، فيعمد إلى موقع ما وينقله لنا بشحمه ، ولحمه ، وعظمه ، فينقل نسخة كاملة من هذا الموقع إلى شبكتنا المباركة في عدة مشاركات ، وفي سرعة البرق تجده أمطرنا وأغرقنا بعشرات المشاركات في الصفحة الأولى ، ودحرج المشاركات الجادة إلى الوراء !!. فيفوت على المتصفحين الوقوف عليها ، خاصة الذين يكتفون عادة بتصفح الصفحة الأولى.

فيا أيها الحبيب إن كنت مغرما بهذا الموقع إلى هذه الدرجة ، فكان يكفيك أن تكتب مشاركة واحدة وتضع فيها كل هذا وتريح القارئ ، وتوفر عليه إهدار وقته وماله في فتح عشرات المشاركات المنسوخة !! .

ثم يا أيها الحبيب أين جهدك الفكري في هذا العمل المنسوخ ؟! .

أين إنتاجك العقلي ، أم اكتفيت بجهدك العضلي في "القص واللصق" ؟! .

ولا يظن أحد أني أنتقد نقل الموضوعات المفيدة من موقع إلى آخر ، بل أشجعه وأرحب به ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها انتفع بها .

بل ونسجل شكرنا وتقديرنا للأخوة المحتسبين الذين اقتطعوا من أوقاتهم وأموالهم الشيء الكثير من أجل الإبحار في الشبكة العنكبوتية والتقاط الدرر ووضعها بين أيدي إخوانهم، فشكر الله لهم جهودهم، ولكننا نعني بهؤلاء الأخوة الذين لا يميزون بين ما ينفع وما لا ينفع.

3 ـ نموذج آخر لهذا الغثاء :

فئة أخرى من المشاركات تخصصت في العناوين المثيرة التي تشخص لها الأبصار ، ولم يسبقهم إليها إنس ولا جان ، وعلى سبيل المثال :

يكتب أحدهم عنوانا مثيرا ليشد انتباه القراء : "خبر عاجل من الرياض !!" .

فيدخل الجادون في لهفة وشوق لمعرفة ماهية هذا الخبر ، فيدخل . فماذا يجد ؟!!! .

يجد فيها ما يلي : يوجد لدينا كمبيوتر ، مواصفاته عالية كذا وكذا وبسعر مغر ، من أراد الشراء يرجى الاتصال بي على الجوال التالي !!.

لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإذا عوتب في ذلك وقيل له : يا أخي اتق الله عيب عليك مثل هذا العنوان ، فهذا تدليس وغش .

فيكون جوابه : أنت جاهل لا تعرف فن كتابة العناوين !! .

وآخر نحسبه على خير ينشر موضعا بعنوان : القبض على بن لادن !!.

فتتلعثم الشفاه ، وتخفق قلوب القراء ، ويقبلون على المشاركة وهم في وجل ، وهم ، وغم يبتهلون : اللهم سلم سلم !! .

فيفتحون المشاركة ، فإذا بها : هذا ما يتمناه الأمريكان !!.

فيغضب العضو من هذا الكاتب الذي تلاعب بأعصابه ولو للحظة يسيرة !! فالإنسان مركب من مشاعر وأحاسيس ، فتكون ردة الفعل المنطقية السب والشتم واللعن لهذا الكاتب ، فلكل فعل ردة فعل!!.

فيا أيها الكاتب العاقل ماذا استفدت من طرح مثل هذا الموضوع ، غير استفزاز مشاعر إخوانك الأعضاء ، وإصابتهم بالإحباط ولو للحظات يسيرة ؟!!.

ألا تخشى من أن يصيبك دعاء أحدهم في مقتل ((
وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ )) (صّ:3)!!.

فيا أيها الحبيب خذها من ناصح أمين : العاقل لا يضع نفسه في مثل هذه المواقف المذمومة ، وتذكر أن من يدخل مداخل السوء يتهم !!.

4 ـ نموذج آخر لهذا الغثاء :

وفئة أخرى أسميها "شحاذي الزيارات" ، فهؤلاء مشكلتهم أن مشاركتهم تتضمن معنى الشحاذة ، فتجدا أحدهم يذيل عنوان مشاركته بما يلي :

1 ـ إن كنت تحب ربنا ادخل !!.

2 ـ أقسمت عليك أن تدخل وإلا ستندم !!.

3 ـ إن كنت تحب أسامة ألج ، وإلا فأنت الخاسر !!.

قال مقيده "محتسب" : حقيقة تذكرني هذه العناوين بالباعة في سوق الخضار ، وعندما يعاتب العضو على ذلك ، فأبشرك أن صاحبنا حجته على طرف لسانه : أنت جاهل لا تفهم في فن صياغة العناوين !! يا أخي أنا أريد نشر الخير !! .

يا شحاذ الإنترنت !! ليس هكذا تورد الإبل ، فعيب على أصحاب المروءة التسول بأي شكل من الأشكال . ومن كتب شيئا بأنامله ، فقد استعرض عقله على الناس ، فاختر لنفسك أكمل الأحوال وأحسنها ، وابتعد عن الشبهات .

وفي الجملة إن مثل هذه المشاركات الهزيلة ، والسخيفة تسيء لصاحبها أولا ، ثم تسيء لبقية الأعضاء الذين سمحوا لمثل هذا الهراء أن يوضع بين أيديهم ثانيا ، وتسيء للشبكة التي فسحت لمثل هؤلاء بالعبث على صفحات منتدياتها ثالثا !!.

ثم يزداد هم وحزن وغم العقلاء عندما يستقرئون الردود والتعليقات على مثل هذه المشاركات الهزيلة ، فيزداد همهم هما ، وحزنهم حزنا ، ونكدهم نكدا :
وللشـــــــــــــيء مــن الشــــيء******مقايـــيــــس وأشــــــــبــــــاه

فلا يجد مفرا من مغادرة الشبكة ، ومن ثَمَّ الشبكة العنكبوتية كلها :
ليس عندي إلا الرضا بقضاء الله ******فيــــما أحبــبــته أو كرهتـــه

لو إليّ الأمــــــور ، أختــــار منها ******خيرها لي عواقبا ما عرفته

فوالله لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء عليها ، وهم من غير أهلها ، فإنهم يجهلون ، ويجهلون أنهم يجهلون ، ويظنون أنهم يعلمون ، ويفسدون ، ويظنون أنهم مصلحون ، فطوبى للعقلاء الغرباء !!.

فيا من يشارك في الرد على هذا الغثاء ، ويجعل لهذه المشاركات قيمة برفعها إلى الأعلى ، وحقها عند العقلاء إلى الأسفل ، اعلم ـ رحمني الله وإياك ـ أن من طلب الفضائل لم يساير إلا أهلها ، ولم يرافق في تلك الطريق إلا أكرم صديق من أهل العقول وأصحاب النهى .

فنزه اسمك الكريم عن الدخول في مثل هذه المشاركات التافهة إلا محتسبا ، واحفظ قلمك من الزلل .

وتذكر ـ رحمني الله وإياك ـ أن أفضل ذوي العقول منزلة أدومهم لنفسه محاسبة .

والعاقل لا يبتدئ الكلام إلا أن يُسأل ، ولا يكثر التماري إلا عند القبول ، ولا يسرع الجواب إلا عند التثبت .

وأما السندان ، وما أدراك ما السندان !! فئة تتسم بالعصبية ، والسلاطة ، والجهل ، وهي ثلاثية القهر ؛ التي تقهر القلب وعقل والنفس وكل من يحاول إفهام هذا السندان الذي لا يرينا إلا ما يرى ، ولا يهدينا إلا سبيل الهلاك . عـلى منـــهج فـرعــون : (( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ )) (غافر:29).

مقالات السندان ، مقالات فيها الكثير من العجرفة ، والشدة الغير مبررة ، والقسوة في النصيحة ، والجفاء في التعبير ، والغلظة في المحاورة .

بينه وبين الرفق واللين مخاصمة ومقاطعة !!! .

ينظر للرفق واللين كأنه رجس من عمل الشيطان !!! .

تناسى ـ غفر الله لنا وله ولجميع المسلمين ـ أن :
"الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ .

نعم لعلنا نعذره إن كان يخاطب أو يخاصم علمانيا مرتدا ، أو ملحدا كافرا ، أو مبتدعا ضالا ، فأمثال هؤلاء لا تثريب في زجرهم وتحقيرهم وإهانتهم إن كانوا من المكابرين عن قبول الحق ، أو تبين بجلاء خبث طويتهم ، ودناءة مقصدهم بإلباس الحق بالباطل ، فلك في كتاب الله أسوة حسنة : ((
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) (التوبة:73) . قال السعدي ـ رحمه الله ـ : أي بالغ في جهادهم واغلظ عليهم حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم ، وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد … بالحجة واللسان ، فمن بارز منهم بالمحاربة ، فيجاهد باليد ، واللسان ، والسيف ، والسنان، ومن كان مذعنا للإسلام ، بذمة أو عهد ، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان ، ويبين له محاسن الإسلام ، ومساوئ الشرك والكفران ، فهذا ما لهم في الدنيا. اهـ .

المقصود أن الغلظة على هؤلاء الحثالة لها وجهها الشرعي ، ولكن الإشكال عندما يكون المحاور من جملة أهل السنة والجماعة وجريمته الوحيدة أنه يخالف هذا الأخ في رأي يسعه الاجتهاد والنظر !!! .

فيا أيها الحبيب لماذا لا تستوعب مقولة فطاحل العلماء : مذهبي صواب يحتمل الخطأ ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب .

لماذا لا توسع صدرك للخلاف في الرأي المبني على النظر والاستدلال ؟! .

المشكلة الحقيقية أن تفشي ظاهرة السندان بين الملتزمين (المتدينين) جعلت غيرهم يظن أن هذا سببه الدين ، كأن الدين يحمل أتباعه على هذا الخلق المشين ، وتناسى هؤلاء بأنهم بهذا يشاركون هؤلاء أصحاب المطرقة والسندان في سطحية التفكير ؛ لأن على العاقل البحث قبل الحكم . فهلا بحثوا أولا في جذور هذه الظاهرة قبل نسبتها إلى الدين ؟!.

وهنا أجد نفسي مضطرا إلى الإشارة إلى ظاهرة خطيرة تلبست بها بعض المنتديات الدعوية والجهادية ، وهي :
ظـاهـرة التكـفــير


فبلا ريب أن من أبرز مشاركات فئة "السندان" ، المشاركات التكفيرية والتضليلية ، فتجد أحدهم يمضغ بسن قلمه لفظ التكفير كما يمضغ في فمه العلكة ، فتجده يكفر كل شيء ، بل يكفر كل من لا يقر بتكفير من كفره على قاعدة من لم يكفر الكافر فهو كافر!!! حتى كاد يكفر الماء والهواء ، والداء والدواء ، فنصب نفسه خازنـا على الجنة والنـار ، يدخل من يشــاء في رحمتـه !!! ويعذب من يشاء!!! ـ نسأل الله السلامة ـ .

هؤلاء سلم من لسانهم وتكفيرهم شارون وبوش ؛ لأنهم بكل بساطة نسوهم في خضم تكفيرهم المتتابع لأهل العلم والإيمان!!!.

وفي المقابل ـ للأسف ـ لم يسلم من لسانهم وتكفيرهم شيوخ الإسلام ، الذين ابتلاهم الله فيه ، فسجنوا وعذبوا ردحا من الزمان ، وقطعت أرزاقهم ، وحوصرت حياتهم ، ولكن ذنبهم أنهم اختلفوا مع هذا الأخ ، أو هذه الجماعة في رؤية أو مسألة اجتهادية يسعها النظر والخلاف عند الباحثين والفقهاء.

ونسوا أو تناسوا ما قاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
"إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما" رواه الشيخان من حديث ابن عمر .

فالتكفير أيها الأحبة حكم شرعي خطير له شروطه وضوابطه ؛ يترتب على ثبوته استحلال دماء وأموال .

ومن التكفير ما هو جلي ، وما هو خفي ، وما هو عام ، وما هو خاص ... الخ .

أما الجلي العام ، فلا إشكال فيه ، كتكفير اليهود والنصارى وعباد الأوثان ونحوهم.

وأما الخفي الخاص ، فكتكفير من ثبت إسلامه بأمر لا يقتضي التكفير ، أو بأمر مكفر أو مختلف في التكفير به من غير إقامة الحجة عليه ، فمثل هذا لا يجترئ عليه إلا من يجترئ على اقتحام جراثيم جهنم ، ويفدي دينه بحكم لم يكلفه به الشرع ؛ لأن حكم ذلك موكول لأهل العلم والمتخصصين ؛ لأنه كالفتوى الشرعية .

المقصود أن مسألة التكفير مسألة عويصة ومعقدة ، ومبحثها يطول جدا ، ولعل الله تعالى ييسر بإفرادها بمقالة إحتسابية مطولة .
ثانيا ـ أسئلة تبحث عن أجوبة ؟!!


هناك أسئلة هامة تبحث عن أجوبة يتعين علينا أن نطرحها في هذا السياق ، لعلنا نجد إجابة شافية عند بعض الأحبة الأعضاء :

س1 ـ هل الدين والتدين يدعو إلى الغلظة والعجرفة ؟! .

س2 ـ وما الأسباب الحقيقية وراء هذه الظاهرة ؟! .

س3 ـ وكيف السبيل للقضاء عليها ؟! .

س4 ـ وما الأسباب الحقيقية وراء ظاهرة التكفير ؟! .

الجواب على السؤال الأول :

يمكنني الإجابة على السؤال الأول بيسر وسهولة ، فالمسألة لا تحتاج لبحث وتحقيق ، فبلا ريب أن الدين لا يدعو إلى الغلظة والعجرفة ، ومن ظن غير ذلك ، فهو جاهل بدين الله جهلا مركبا ، فالدين يدعو إلى الرفق واللين ، والمحاورة بأدب وهدوء ، ويحث على الكلمة الطيبة .
أدلــــــــــــة ذلـــــــــك

1 ـ قال الله تعالى : (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ )) (آل عمران:159).

قال السعدي ـ رحمه الله ـ (بتصرف) : أي برحمة الله لك ولأصحابك ، منّ الله عليك أن ألنت لهم جانبك ، وخفضت لهم جناحك ، وترققت عليهم ، وحسنت لهم خلقك ، فاجتمعوا عليك وأحبوك ، امتثلوا أمرك . ولو كنت سيئ الخلق ، قاسي القلب لانفضوا من حولك ؛ لأن هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ .

فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدنيا ، تجذب الناس إلى دين الله ، وترغبهم فيه ، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص ، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين ، تنفر الناس عن الدين ، وتبغضهم إليه مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص ، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول ، فكيف بغيره ؟! .

أليس من أوجب الواجبات ، وأهم المهمات ، الاقتداء بأخلاقه الكريمة ، ومعاملة الناس بما كان يعاملهم به ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، من اللين ، وحسن الخلق ، والتأليف ، امتثالا لأمر الله ، وجذبا لعباد الله لدين الله . اهـ .

2 ـ قال الله تعالى : (( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )) (النحل:125) .

قال السعدي ـ رحمه الله ـ : أي ليكن دعاؤك للخلق ، مسلمهم وكافرهم ، إلى سبيل ربك المستقيم ، المشتمل على العلم النافع ، والعمل الصالح (بالحكمة) أي كل أحد على حسب حاله وفهمه ، وقبوله وانقياده .

ومن الحكمة ، الدعوة بالعلم ، لا بالجهل ، والبدأة بالأهم فالأهم ، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم ، وبما يكون قبوله أتم ، وبالرفق واللين .

فإن انقاد بالحكمة ، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة ، وهو الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.

فإن كان المدعو ، يرى أن ما هو عليه حق ، أو كان داعية إلى الباطل ، فيجادل بالتي هي أحسن ، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلا ونقلا .

من ذلك ، الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها ، فإنه أقرب إلى حصول المقصود ، وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها ، ولا تحصل الفائدة منها ، بل يكون القصد هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها. اهـ .

3 ـ ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ مرفوعا: "الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه"
رواه مسلم.

4 ـ ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ مرفوعا: "يا عائشة ! إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف ، وما لا يعطى على ما سواه" رواه مسلم.

5 ـ أن اللين والرفق في الخطاب والحوار من أساسيات فقه الاحتساب والدعوة إلى الخير .

فمن الفقه في الاحتساب أن يدمج المعنى الغليظ في الألفاظ اللينة ، وأن يتأدب بأدب الله تعالى فيما أدب به رسله الكرام ـ عليهم السلام ـ حيث يقول : ((
فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى )) (طـه:44) .

دخل رجل على المأمون ، فأمره بمعروف ، ونهاه عن منكر ، وأغلظ له في القول ، فقال له المأمون : يا هذا ! إن الله تعالى أمر من هو خير منك أن يلين القول لمن هو شر مني ، فقال لموسى وهارون فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً ؛ ثم أعرض عنه ولم يلتفت إليه.

وعلى هذا قال الشاعر :
لينوا لنا في القول إنا معـشر ******نأبى مقادتــنا على الأغلاط

والله قد أمر النبي وصنــــوه ******في وحيـــــه بإلانة الألفـاظ

ووصف الأصـمعي الرفق في شعره فقال :
لم أر مثل الرفـــــــق في لينه ******أخــرج للعذراء من خدرها

من يستعن بالرفـــق في أمره ******يستخرج الحية من جحرها

وهذا كله لا ينافي الغلظة التي أشرت إليها سابقا في قول الله تعالى : ((
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )) (التوبة:73). فهذا له أهله ، وهذا له أهله ، والحكيم من وضع كل شيء في موضعه المناسب .

وأترك للأخوة الأعضاء الإجابة على بقية الأسئلة ، فآمل إبداء الرأي والتفاعل .
ثالثا ـ تحذيـــر للمخـطـئــيـــن


اعلم ـ وفقني الله وإياك أخي الحبيب ـ أن لإبليس مصيدة ماكرة تتلخص في كلمتين يلقيها على ألسنة البعض :

الأولى ـ اعتذار من أساء بأن فلانا أساء قبله أو معه .

الثانية ـ استسهال الإنسان أن يسيء اليوم ؛ لأنه قد أساء بالأمس ، أو أن يسيء في وجه ما ؛ لأنه قد أساء في وجه آخر .

فيجب عليك أيها الحبيب الانتباه لها ، ولا تدع لإبليس منفذا لتزيين سوء الخلق .

وتذكر ما قاله قتادة :
"لا تقل رأيت ولم تر ، وسمعت ولم تسمع ، وعلمت ولم تعلم ، فإن الله تعالى سائلك عن ذلك كله" .
رابعا ـ النـصائـح العـشــرة

النصيحة الأولى ـ يا أيها الكاتب الكريم والمحاور اللبيب ! أذكرك ونفسي بمكارم الأخلاق


وقد جمعها الشاعر في قوله :
إن المكارم أبـــــــــواب مُصنـــفة ******العـقـل أولها والصمت ثــانـــيـــها

والعلم ثالثها ، والحلم رابعـــــها ******والجود خامسها ، والصدق ساديها

والصبر سابعها ، والشكر ثامنها ******واللين تاسعها ، والصدق عاشــيها

فتحلى بها في نفسك ، وانصح بها إخوانك .
النصيحة ثانية ـ العاقل لا يقاتل من غير عُدة ، ولا يخاصم بغير حجة ، ولا يصارع بغير قوة


فعلى العاقل عدم العجلة في إصدار الأحكام ، كما عليه أن يبنيها على أرض صلبة ، وحجة قوية.
النصيحة الثالثة ـ يزاد نماء عقل العقلاء بالتقرب من أشكاله ، والتباعد عن أضداده


فقد قيل : "جالسوا الألباء : أصدقاء كانوا أو أعداء ؛ فإن العقول تلقح العقول".
النصيحة الرابعة ـ بذل الجهد في تحصيل العلم النافع


وسبيله على ما ذكر سفيان : "أول العلم الإنصات ، ثم الاستماع ، ثم الحفظ ، ثم العمل به ، ثم النشر".
تعلم فليس المرء يولد عالما ******وليس أخو علم كمن هو جاهل

وإن كبير القـوم لا علم عنـده ******صغير إذا التفت عليه المحافل

مع ضرورة أن يكون طلب العلم برفقة شيخ يوثق في دينه وعقيدته ، وعدم الاعتماد على الكتاب ، فقد قيل من كان شيخه كتابه ، كان خطؤه أكثر من صوابه .
النصيحة الخامسة ـ اطـــلبـــوا العـــلم بحـــســن ســــــمت ، وأدب


قال الشعبي :
"يا طلاب العلم ! لا تطلبوا العلم بسفاهة وطيش ، اطلبوه بسكينة ووقار وتؤدة".
النصيحة السادسة ـ من فقه الرجل أن يلزم الصمت إلى أن يلزم التكلم


فما أكثر من ندم إذا نطق ، وأقل من يندم إذا سكت !! .

وأذكرك وأنت أهل للذكرى
"رحم الله امرأ تكلم فغنم ، أو سكت فسلم" رواه البيهقي في الشعب بإسناد حسن من حديث أنس بن مالك مرفوعا .

فـ "السكوت زين للعقلاء ، وشين للجهلاء" .

وصدق الشاعر حيث قال :
إن كان يعجبك السكوت فإنـه ******قد كان يعجب قبلك الأخيـــار

ولئن ندمت على سـكوت مرة ******فلقد ندمت على الكلام مرارا

إن السكوت سـلامة ، ولربما ******زرع الكلام عدوة وضـــرارا

وإذا تقرب خاسر من خاســر ******زادا بذلك خســــــارة وتبارا

وقد سبق وأفردت في هذه المسألة مقالة مطولة تجدها على الرابط التالي :

فــــــــقــــــه الســـــــكوت
النصيحة السابعة ـ حاسب نفسك على ما تقول ، قبل أن يحاسبك عليه غيرك


قال شعبة :
"من الناس من عقله بفنائه ، ومنهم من عقله معه ، ومنهم من لا عقل له . فأما الذي عقله معه ، فالذي يبصر ما يخرج منه قبل أن يتكلم .

وأما الذي عقله بفنائه ، فالذي يبصر ما يخرج بعد أن يتكلم . ومنهم من لا عقل له"
.

وتذكر ـ وفقك الله ـ :
أنت من الصمت آمن الزلل ******ومن كثير الكلام في وَجل

لا تقل القول ثم تتـبــعـــــــه ******يا ليت ما كنت قلتُ لم أقل

النصيحة الثامنة ـ عــود نـفـســـك عـلى قــــول الخيــر

عود لسانك قول الخير تحظ به ******إن اللسان لما عــوت معتـــــــــاد

موكّل بتقاضي ما سـنـنـــــت له ******فاختر لنفسك ، وانظر كيف ترتاد

النصيحة التاسعة ـ أمسك عليك لسانك من الطعن في الناس بفحش الكلام والتكفير


فأين أنت من قول الله تعالى : ((
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً )) (الأحزاب:58) .

وحديث الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
"ليس المؤمن بالطَّعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه الترمذي وحسنه من حديث ابن مسعود .

وقال عبد الله بن مسعود :
"ألأم شيء في المؤمن الفحش".

واعلم ـ وفقني الله وإياك لطاعته ـ أن أفحش الفحش تكفير المسلم بما لا يقتضي تكفيره ، فتجنب أخي الحبيب الحكم بالكفر على من ينتسب إلى الإسلام ، وأوكل حقيقة إيمانه لله وحده ، فأنت بذلك تحتاط لدينك ، وهذا لا يمنع من الاحتساب عليه بالأدلة الشرعية.

وتذكر أخي الحبيب أنك قد تصيب في حكمك مرة بعد أخرى ، ولكن كيف إذا لم تصب مرة ، فيرجع عليك الكفر مرة أخرى ـ نسأل الله تعالى السلامة ـ ، فتخرج نفسك بنفسك من الإسلام من حيث لا تدري ، فتأمل وفقك الله خطر الخطأ في هذا الباب. ولا تقولن : إن أخطأت في تكفير شخص ما ، فهذا اجتهادي والله أعلم بنيتي !!.

وهذا باطل أخي الحبيب ؛ لأن الشرع لم يكلفك أصلا بتصنيف من ينتسب للإسلام ، وإن كلفك بالاحتساب عليه ببيان منكره ، وتذكر ما أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
"إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض" .
النصيحة العاشرة ـ تحبب إلى إخوانك بالرفق ، والكلمة الطيبة ، وحسن الخلق


فتذكر الأدب الرباني الذي نص عليه قول الله تعالى : ((
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) (فصلت:34) .

فما أجمل الرفق في القول والعمل فـ
"الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم من حديث عائشة مرفوعا .

وعليك أيها الحبيب بحسن الخلق ؛ فإنه والله بذر اكتساب المحبة ، ومن حسن خلقه صان عرضه .
حافظ على الخلق الجميل ومُر به ******ما الجميل وبالقبيح خفاء

إن ضاق مالك عن صديقك فالقه ******بالبشر منك إذا يحين لقاء

قال حبيب بن أبي ثابت :
"من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو يبتسم".

وإياك ثم إياك من سوء الخلق ، فإنه والله بذر استجلاب البغض والكره ، ومن ساء خلقه هتك عرضه ؛ لأن سوء الخلق يورث الضغائن ، والضغائن إذا تمكنت في القلوب أورثت العداوة والشقاق.

قال الزهري :
"وهل يُنتفع من السيئ الخلق بشيء ؟!!".

نسأل الله تعالى بمنه كرمه أن يؤلف بين قلوبنا ، وأن يهدينا سبلنا ، يجعلنا هداة مهتدين ، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.